من ملوك الهند إلى موائد عدن: القصة الملكية للبرياني والزربيان
لطالما كانت الأطباق التراثية مرآةً للثقافات والشعوب، تعبّر عن تاريخها ونمط حياتها وحتى ذوقها الفني. وفي عالم الأرز واللحم، يتصدر طبقان ساحران المشهد: البرياني الهندي والزربيان العدني. ورغم التشابه الظاهري بينهما، إلا أن لكلٍ منهما حكاية متفردة في الأصل والنكهة والتحضير.
البرياني.. وليمة القصور المغولية
ولد البرياني في القصور الملكية خلال العهد المغولي في الهند، حيث امتزجت البهارات القوية والأرز البسمتي واللحم أو الدجاج في طبق بات يُقدَّم للأمراء. يشتهر البرياني بتعدد طبقاته، إذ يُطهى اللحم مع البهارات مثل جرام ماسالا والزعفران والهيل والقرنفل، ثم يُدمج مع الأرز بطريقة دقيقة تُعرف محليًا بطريقة "الدُّم"، ما يمنحه نكهة متداخلة وقوية تلامس الحواس.
البرياني ليس مجرد طبق، بل طقس احتفالي في الهند وباكستان والخليج. ومع مرور الوقت، أصبح جزءًا من الولائم والمناسبات الكبرى، وانتقل إلى المطابخ العالمية بلمسات عصرية.
الزربيان.. لمسة عدنية بنكهات التاريخ
أما الزربيان، فهو طبق يمني أصيل ارتبط بمدينة عدن الساحلية، واشتهر في الولائم الرمضانية والمناسبات العائلية الكبرى. يتميز الزربيان بمزيج من الأرز البسمتي واللحم –غالبًا لحم الغنم– والبطاطس المتبلة، ويُستخدم فيه اللبن الزبادي بشكل أساسي، ما يمنحه طراوة ونكهة ناعمة مقارنة بالبرياني.
التوابل في الزربيان معتدلة، تشمل الزعفران والهيل والقرفة والفلفل الأسود. ويُطهى الزربيان بطريقة متماسكة، حيث تُخلط جميع المكونات في قدر واحد لتتجانس النكهات مع البطاطس واللحم في آنٍ معًا.
جذور مشتركة وتأثيرات متبادلة
رغم اختلاف الأصل الجغرافي، إلا أن العلاقة التاريخية بين الهند وعدن –خصوصًا خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية– ساهمت في انتقال التأثيرات المطبخية. ويُعتقد أن وصفة الزربيان تطورت نتيجة التبادل الثقافي بين البحارة والتجار الهنود واليمنيين، لكن العدنيين أضافوا لمستهم الخاصة عبر اللبن والبطاطس.
الزربيان في المهجر.. طبق يروي حكاية وطن
في العقود الأخيرة، انتقل الزربيان إلى مطابخ الجاليات اليمنية في الخليج وأوروبا وأمريكا، حيث أصبح جزءًا من الهوية الثقافية التي تُحمل في المنافي. مشاريع مطاعم مثل "Taste of Aden" في ديترويت الأمريكية أعادت إحياء الزربيان كطبق يعبر عن الذاكرة والانتماء، ويجمع حوله العائلة والحنين.
البرياني والزربيان.. اختلاف النكهة واتحاد الروح
البرياني يعكس روح الهند الغنية بالبهارات والتفاصيل الدقيقة، بينما الزربيان يحمل طابع عدن الدافئ والمعتدل. الأول حاد ومركّز النكهة، والثاني متوازن ومخملي الطعم. كلاهما يُعد احتفالًا في طبق، وذاكرة قابلة للأكل.
سواء اخترت حرارة البرياني الهندي أو دفء الزربيان العدني، فإنك تخوض تجربة ذوقية تعبق بالتاريخ وتُحاكي الحنين والاحتفال. إنها ليست مجرد وجبة، بل قصة تُروى على طبق أرز، ممزوجة بالتوابل والحب والتراث.