إعجابات قاتلة: كيف تحوّلت السوشيال ميديا من وسيلة تواصل إلى إدمان خفي؟
في عالم تحكمه الشاشات وتُقاس فيه قيمة اللحظة بعدد الإعجابات والمشاهدات، باتت وسائل التواصل الاجتماعي سلاحًا ذا حدّين. فبينما سهّلت تواصل البشر، خلقت من جهة أخرى نوعًا جديدًا من الإدمان لا يُرى بالعين المجردة. ملايين المستخدمين حول العالم يقضون ساعات يوميًا أمام تطبيقات مثل تيك توك، فيسبوك، وإنستغرام، دون أن يدركوا أنهم أصبحوا أسرى لنظام رقمي مُصمّم خصيصًا ليبقيهم على اتصال دائم... وربما أكثر من اللازم.
الإدمان الرقمي: أكثر من عادة
أشارت دراسات حديثة، أبرزها تقرير صادر عن "مركز أبحاث بيبو 2024"، إلى أن أكثر من 40% من الشباب بين عمر 16 و30 عامًا يعانون من أعراض شبيهة بالإدمان عند محاولة تقليل استخدام السوشيال ميديا. هذه الأعراض تشمل التوتر، العصبية، وقلة التركيز، وقد تصل في بعض الحالات إلى الاكتئاب.
آلية الإدمان: الدوبامين هو المتهم الأول
يعتمد تصميم خوارزميات وسائل التواصل على تحفيز هرمون الدوبامين المسؤول عن الشعور بالمكافأة. كل إعجاب أو إشعار أو تعليق إيجابي، يدفع الدماغ لإفراز دفعة صغيرة من هذا الهرمون، مما يخلق نوعًا من "الاستجابة الشرطية" التي تربط السعادة بالتفاعل الافتراضي، تمامًا كما يحدث في الإدمان السلوكي.
النتائج السلبية: صحة نفسية تحت الحصار
أطباء نفسيون حذّروا من تداعيات الاستخدام المفرط، التي تشمل اضطرابات النوم، القلق الاجتماعي، الشعور بالدونية بعد المقارنات، وعزلة رقمية عن الواقع الحقيقي. وأظهرت دراسة بريطانية في جامعة "كينغز كوليدج لندن" أن مستخدمي إنستغرام النشطين يوميًا معرضون بنسبة 35% أكثر للإصابة بالاكتئاب مقارنةً بغيرهم.
هل من حلول؟
التقليل من الإدمان الرقمي لا يتطلب فقط حذف التطبيقات، بل يتطلب وعيًا بالتأثير النفسي، وجدولة زمنية للاستخدام، وتعويض الوقت الضائع بأنشطة حقيقية مثل القراءة أو الرياضة. كما توفّر بعض التطبيقات خاصية "تحديد وقت الاستخدام"، ويمكن اللجوء لمختص نفسي عند الحاجة.
لم تعد وسائل التواصل مجرد أدوات ترفيه، بل تحوّلت إلى بيئات نفسية معقّدة تُشكّل وعي الأفراد وسلوكهم دون وعي منهم. وبين زر إعجاب وتعليق، تتسرّب دقائق وساعات من حياتنا. والسؤال الأهم ليس: هل تستخدم السوشيال ميديا؟ بل: هل ما زلت تسيطر عليها، أم أصبحت هي من تتحكم بك؟