متى يكون الحضن أهم من الكلام في تربية الأطفال؟
في عالم تغلب فيه سرعة الحياة وكثرة المسؤوليات، ينسى كثير من الآباء والأمهات أن الأطفال لا يبحثون دائمًا عن إجابات أو أوامر، بل أحيانًا يبحثون عن ذراع دافئة تحتضنهم بصمت. فالسلوكيات التي يظن البعض أنها "تحتاج تقويمًا"، تكون في حقيقتها صرخة غير منطوقة تطلب التعاطف لا المحاسبة.
تشير دراسات علم النفس التربوي الحديثة إلى أن الأطفال، خاصة في مراحلهم الأولى، يتعلمون بالأمان قبل التعليم، وأن العقل لا يستوعب التوجيه إذا كانت المشاعر مضطربة. وفي لحظات البكاء أو الخوف أو الغضب، يصبح الاحتضان هو الحل السحري الذي يعيد توازن الطفل ويمنحه الإحساس بالأمان.
وتؤكد الدكتورة ليلى مراد، اختصاصية الصحة النفسية للأطفال، أن "الاحتضان لا يعني تدليل الطفل بل احترام حالته الشعورية. الطفل الغاضب أو الباكي لا يحتاج إلى محاضرة، بل إلى من يفهمه دون أن يتكلم".
ويُعدّ الاحتضان نوعًا من الضبط العاطفي، أي أن الطفل يتعلم تهدئة مشاعره من خلال قربه الجسدي من شخص بالغ يشعره بالأمان. وحين يهدأ، يصبح جاهزًا للاستماع والتعلم وتعديل سلوكه لاحقًا.
ويذكر الباحثون في مجلة Parenting Science أن "الحضن لمدة 20 ثانية فقط يرفع مستوى هرمون الأوكسيتوسين، المسؤول عن الارتباط والثقة، ويخفض الكورتيزول، هرمون التوتر". هذا ما يجعل الطفل أكثر قابلية للتعلم والانضباط بعد لحظة الحنان تلك.
في المقابل، فإن استخدام التوجيه وحده في لحظات الانهيار قد يفاقم الموقف، ويُشعر الطفل بأنه غير مفهوم، بل وربما غير محبوب.
لذا، تنصح التربويات بعدم التسرع في العقاب أو حتى النصح، والتمييز بين المواقف التي تتطلب "ضبط سلوك" وتلك التي تحتاج فقط إلى حضن.
متى نحتضن بدل أن نوجه؟
عندما يبكي دون سبب واضح
حين يشعر بالخوف من الظلام أو الانفصال
بعد الفشل أو الإحباط في تجربة ما
عند ارتكابه خطأ غير مقصود
إذا كان غاضبًا أو متوترًا دون تفسير
بعد يوم دراسي شاق أو موقف مؤلم
في الطفولة، لا يُفهم الحب عبر الكلمات فقط، بل من خلال الأفعال الصغيرة. والحضن، بكل بساطته، يعيد برمجة الطفل عاطفيًا ونفسيًا، ويخبره أن الحب لا يُشترط بسلوك، بل هو حاضر في كل الأحوال.
في زمن الضجيج التربوي، امنحوا أطفالكم صمتًا دافئًا.. اسمه الحضن.