اقتصاد سوريا بين نارين... هل يعيد السقوط بناء سوريا أم يفتح أبواب الفوضى؟
مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، دخلت سوريا حقبة جديدة تعج بالتحديات الاقتصادية والسياسية. بعد ثلاثة عشر عاماً من الحرب والصراعات الداخلية، تراجع الاقتصاد السوري إلى مستويات غير مسبوقة، مما ترك البنية التحتية مدمرة والناتج المحلي الإجمالي في حالة انهيار، حيث يحتاج إلى عقود للعودة إلى مستوياته قبل الحرب. كانت أولى التداعيات الاقتصادية للسقوط الانهيار الحاد في سعر صرف الليرة السورية، إذ بلغ الدولار الواحد 22 ألف ليرة في دمشق و36 ألف ليرة في حلب، ما يعكس التضخم الجامح والاضطراب في النظام المالي.
التدهور الاقتصادي لم يكن مفاجئاً، فقد شهدت الليرة السورية انخفاضاً بنسبة 141% مقابل الدولار في عام 2023 وحده، مع ارتفاع تضخم أسعار المستهلكين بنسبة 93%، ما زاد من معاناة المواطنين نتيجة خفض الدعم الحكومي. رغم ذلك، أبدى وزير المالية السوري تفاؤلاً حذراً، متوقعاً تحسن الوضع الاقتصادي في 2025، شريطة أن تتبنى الحكومة المقبلة سياسات مالية تعالج الفقر وتعيد الثقة للسوق.
الصراع المستمر منذ عام 2011 كان له تأثير مدمر على الناتج المحلي الإجمالي، الذي انكمش بنسبة 54% بين عامي 2010 و2021، وفقاً لتقارير البنك الدولي. يُضاف إلى ذلك تأثير الكوارث الطبيعية، مثل زلزال فبراير 2023، الذي عمّق من أزمة الفقر. في 2022، وصل معدل الفقر إلى 69%، مع تعرض ربع السكان للفقر المدقع. كما عانت القطاعات الحيوية، مثل الصناعة والزراعة، من انهيار شبه كامل، مما زاد من اعتماد البلاد على الواردات في ظل تراجع الإنتاج المحلي.
قطاع الطاقة لم يكن بمعزل عن هذه التداعيات، فقد انخفض إنتاج النفط من 400 ألف برميل يومياً قبل الحرب إلى أقل من 25 ألف برميل يومياً بحلول 2015. حتى عام 2023، لم يتجاوز الإنتاج 91 ألف برميل يومياً. إلى جانب ذلك، ظهر الاقتصاد الموازي في سوريا مدفوعاً بتجارة "الكبتاغون"، حيث أصبحت البلاد منتجاً رئيسياً لهذه المادة. تشير التقديرات إلى أن القيمة السوقية لهذه التجارة تصل إلى نحو 5.6 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل تقريباً الناتج المحلي الإجمالي لسوريا.
مع تدهور المؤسسات، تداول ناشطون مقاطع فيديو تظهر نهب مصرف سوريا المركزي بعد سقوط النظام، حيث تم الاستيلاء على أموال نقدية قبل أن تتمكن المعارضة المسلحة من السيطرة على الموقف. أكد حاكم المصرف استعادة جزء من الأموال المسروقة، مشيراً إلى أن تلك الأموال تُستخدم في تأمين الاحتياجات الأساسية من الغذاء والدواء.
منذ بدء الانتفاضة الشعبية في عام 2011، والتي تطورت إلى صراع مدمر، تحمل الاقتصاد السوري وطأة الحرب والعقوبات الدولية. كان الاقتصاد قبل 2011 يحقق معدلات نمو ملحوظة، إلا أن سنوات الصراع أعادت البلاد عقوداً إلى الوراء. اليوم، ورغم حجم التحديات، يظل إعادة بناء سوريا فرصة لإحياء اقتصادها وتنميتها البشرية والاجتماعية، إذا ما تم وضع سياسات مستدامة تعيد الثقة للمواطنين وتُعطي الأولوية لاحتياجاتهم الأساسية.