أخبار

تركيا بين مخاوفها الأمنية وطموحاتها الإقليمية: دور متشابك في عملية ردع العدوان في سوريا

تُواجه تركيا وضعًا معقدًا في سوريا، حيث تتداخل هواجسها الأمنية مع طموحاتها الإقليمية وسط التطورات الأخيرة التي أفرزتها عملية "ردع العدوان" التي تقودها المعارضة السورية المسلحة.

وبينما تسعى أنقرة لتعزيز نفوذها وحماية حدودها، يبرز تساؤل حول حدود دورها ومدى تأثيره على مستقبل الصراع السوري.

هواجس تركيا: الأكراد واللاجئون

بحدود تمتد 900 كيلومتر مع سوريا، تمثل الفصائل الكردية المسلحة أبرز التحديات الأمنية لأنقرة، خاصة وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها تركيا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي. بالإضافة إلى ذلك، تتحمل تركيا عبء استضافة أكثر من 3.2 مليون لاجئ سوري، ما يجعلها في مواجهة مع ضغوط داخلية ودولية متزايدة.

مركز الأزمات الدولية أشار إلى أن أنقرة متشككة في قدرة النظام السوري على استعادة السيطرة على المناطق الشمالية دون التسبب في موجات نزوح جديدة، ما يزيد المخاوف من تداعيات انسحاب تركيا من هذه المناطق. وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا أكد بدوره أن عودة اللاجئين مرتبطة بخلق بيئة آمنة في سوريا، مشيرًا إلى أن 42% من اللاجئين السوريين في تركيا يتحدرون من حلب.

تصاعد العمليات الميدانية: المعارضة تقترب من دمشق

ميدانيًا، تواصل المعارضة السورية المسلحة تقدمها، حيث سيطرت على مناطق واسعة في حمص وتقترب الآن من دمشق. هذا التقدم جاء بعد مكاسب كبيرة حققتها المعارضة في إدلب وحماة، ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التعبير عن دعمه لمسيرة المعارضة، قائلاً: "نتمنى أن تستمر هذه المسيرة دون حوادث".

رغم دعمه للمعارضة، أشار أردوغان إلى خيبة أمله من رفض الرئيس السوري بشار الأسد لدعوات الحوار السابقة التي وجهتها أنقرة.

 

تصريحات تركية متباينة

بالمقارنة مع تصريحاته السابقة التي وصف فيها الأسد بـ"المجرم والإرهابي"، بدا أردوغان في الآونة الأخيرة أكثر حذرًا. دعا أردوغان إلى "الحفاظ على وحدة الأراضي السورية"، لكنه لم يخفِ دعمه للمعارضة المسلحة، مشددًا على أهمية حماية المدنيين وتهيئة الظروف لحل سياسي شامل.

هيئة تحرير الشام: شريك في العملية وخصم لأنقرة

تلعب هيئة تحرير الشام، المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والأمم المتحدة، دورًا بارزًا في عملية "ردع العدوان". ورغم تصنيفها، تحاول أنقرة ممارسة ضغوط على الهيئة لضبط تحركاتها ومنع استهدافها للأقليات، بما في ذلك المسيحيين والدروز.

 

علاقة معقدة مع النظام السوري

تتسم علاقة تركيا مع النظام السوري بتناقض واضح؛ فعلى الرغم من تصريحات أنقرة المتكررة حول إمكانية الحوار مع الأسد، إلا أنها في الوقت ذاته تدعم المعارضة المسلحة بشكل واضح. الباحثة كارولين روز من معهد نيولاينز ترى أن تركيا تسعى من خلال هذه العمليات إلى إضعاف موقف النظام بعد فشل محاولات التطبيع بين الجانبين.

أما المحلل بكير أتاجان، فيرى أن أنقرة قد تفضل بقاء الأسد في السلطة لضمان وجود دولة مركزية قادرة على التحكم في المؤسسات، مقارنة بالوضع الذي قد ينشأ إذا ما سيطرت الفصائل المسلحة بشكل كامل.

الدور الدولي والإقليمي: تحالفات متشابكة وتحديات مستمرة

على الصعيد الدولي، يبدو أن هناك تنسيقًا غير معلن بين تركيا والولايات المتحدة بشأن العملية العسكرية، خاصة مع غياب ردود فعل صارمة من الحليفين الرئيسيين للنظام السوري، روسيا وإيران.

يُعتقد أن أنقرة تستغل هذه التوازنات لتعزيز نفوذها الإقليمي، لكنها تواجه تحديات كبيرة، أبرزها الحفاظ على علاقتها مع موسكو وطهران، إلى جانب التعامل مع التوترات المستمرة مع الدول الغربية بشأن القضية الكردية واللاجئين.

التاريخ التركي في سوريا: محطات مفصلية

على مدار سنوات النزاع السوري، كان لتركيا دور بارز في مختلف المراحل:

2011-2012: قطع العلاقات مع دمشق ودعم المعارضة السياسية والمسلحة.

2016: إطلاق عملية "درع الفرات" لتطهير مناطق شمال سوريا من تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب الكردية.

2018: السيطرة على عفرين في عملية "غصن الزيتون".

2019: بدء عملية "نبع السلام"، التي استهدفت إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا على الحدود السورية التركية.

2020: إطلاق عملية "درع الربيع" في إدلب لوقف تقدم الجيش السوري.

مواقف الفصائل المعارضة: تحالفات مع تركيا وحسابات مستقلة

تلعب الفصائل المدعومة من تركيا دورًا رئيسيًا في العملية العسكرية، خاصة "الجيش الوطني السوري"، الذي يضم مجموعة من الفصائل المعارضة التي تعمل تحت قيادة موحدة.

هذه الفصائل تتمتع بدعم عسكري ولوجستي تركي، لكن بعضها أعرب عن استيائه من تصريحات أردوغان التي أشار فيها إلى إمكانية الحوار مع الأسد.

المشهد الكردي: التحدي الأكبر لأنقرة

يمثل الأكراد التحدي الأكبر لأنقرة في سوريا، حيث ترفض تركيا أي تمكين سياسي أو عسكري لوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها تهديدًا وجوديًا. مركز الأزمات الدولية أشار إلى أن أنقرة لا تثق في قدرة النظام السوري على منع هجمات الكردستاني إذا ما انسحبت القوات التركية من الشمال السوري.

اللاجئون: أزمة مستمرة وضغوط داخلية

مع استضافة تركيا أكثر من 3.2 مليون لاجئ، تواجه الحكومة ضغوطًا داخلية متزايدة، خاصة مع تزايد المشاعر المناهضة للاجئين داخل البلاد. تسعى أنقرة إلى ضمان عودتهم الطوعية عبر إنشاء مناطق آمنة في شمال سوريا، لكنها تدرك أن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال في ظل غياب الاستقرار.

مستقبل العملية: حسابات معقدة وتحديات متزايدة

مع استمرار العملية العسكرية وتزايد تعقيد المشهد الميداني، تبدو تركيا عازمة على استغلال الوضع لتعزيز نفوذها في المنطقة. لكن هذا الدور يأتي مع مخاطر كبيرة، أبرزها تصعيد التوتر مع روسيا وإيران، إضافة إلى تداعيات النزاع على حدودها الجنوبية.

المصدر: ترندي نيوز + بي بي سي
زر الذهاب إلى الأعلى