ألوان

القبو المظلم في باريس: 25 عامًا من الأسر والظلام تكشف وحشية أم وابنها

تريندي نيوز

في واحدة من أبشع الجرائم التي هزت الرأي العام الفرنسي في مطلع القرن العشرين، اكتُشفت تفاصيل مأساة مروعة بطلتها شابة تدعى بلانش مونير، عُثر عليها محتجزة في غرفة مظلمة وقذرة داخل منزل أسرتها بعد اختفاء دام ربع قرن.

 

تعود القصة إلى عام 1876، عندما كانت بلانش مونير، شابة باريسية جميلة في الخامسة والعشرين من عمرها، معروفة برقتها وثقافتها وأخلاقها الحميدة. وقعت بلانش في حب محامٍ أكبر منها سنًا. لكن والدتها الأرستقراطية الأرملة رفضت هذه العلاقة بشدة، لكونه، وفق أقوالها، غير لائق اجتماعيًا ولا يضمن لبنتها مكانة الأسرة الرفيعة.

 

بلانش، التي وصفتها الصحف لاحقًا بالرومانسية الحالمة، أصرّت على الزواج من الرجل الذي أحبته، ما أشعل خلافًا عنيفًا مع والدتها وشقيقها. وبينما رفضت الأسرة قبول اختياراتها، اختفت بلانش فجأة دون أثر، وأبلغت الأسرة الشرطة أنها هربت، لكن لم يتم العثور عليها رغم التحقيقات.

 

اكتشاف مروع بعد 25 عامًا

في مايو 1901، وصل للمدعي العام في باريس بلاغ غامض، مكتوب بخط يدوي، يطالب بالتحقيق في أمر "امرأة مسجونة في بيت السيدة مونير". اقتحمت الشرطة المنزل التاريخي في شارع دو لا فيليير، لتجد مشهدًا صادمًا في قبو مظلم مغلق بإحكام.

 

داخل غرفة ضيقة عديمة التهوية غارقة في الأوساخ والقاذورات، عُثر على بلانش مونير، في حالة صحية مزرية، وزنها لم يتجاوز 25-30 كيلوغرامًا، وقد غطت القمل والجروح جسدها النحيل. كان شعرها طويلاً ومتلبدًا، وعيناها لا تتحملان الضوء بعد عقود من الظلام. كانت عاجزة عن الكلام من شدة الضعف والصدمات النفسية.

 

صدمة الرأي العام ومحاكمة الأسرة

تحول الخبر إلى فضيحة وطنية وصدم الرأي العام الفرنسي والعالمي. كيف يمكن لأم أن تحبس ابنتها في القبو 25 عامًا لمجرد رفضها طاعة أوامرها؟

 

ألقت الشرطة القبض على الأم، مارث مونير، البالغة حينها أكثر من 70 عامًا. توفيت بعد شهر من القبض عليها بأزمة قلبية في السجن. أما شقيق بلانش، مارسيل، الذي ساعد في جريمة الاحتجاز، فقد حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا.

 

قالت التحقيقات إن الأم كانت تُطعم ابنتها بالحد الأدنى لإبقائها على قيد الحياة، مع الحرص على إخفائها عن العالم. لم يجرؤ أي خادم أو زائر على الحديث خوفًا من سطوة العائلة ونفوذها.

 

حياة ما بعد الحرية

بعد إنقاذها، نُقلت بلانش إلى المستشفى حيث حاول الأطباء علاج سوء التغذية الحاد وأمراضها النفسية العميقة. لكنها قضت بقية حياتها في مؤسسة للصحة النفسية في فرنسا، ولم تستطع أبدًا استعادة حياتها الطبيعية بعد تلك التجربة المروعة.

 

رمزية القصة

قضية بلانش مونير صارت مثالًا في التاريخ الحديث على وحشية البشر حين يتجردون من الرحمة، وعلى خطورة العنف الأسري المغلق عن الأعين. صارت قصتها تُدرس كتحذير اجتماعي من التسلط الأسري وأهمية حماية الحريات الفردية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى