الخطر الصامت في مكاتب العمل: دراسة تكشف كيف تدمّر ساعات العمل الطويلة دماغك!
في زمن يتسارع فيه إيقاع الحياة وتتصاعد فيه الضغوط المهنية بلا هوادة، تحمل لنا دراسة علمية جديدة جرس إنذار قد لا يعلو صوته كثيراً، لكنه يحمل تحذيراً صامتاً: عقلك قد يكون يدفع الثمن من دون أن تشعر.
فقد كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة "يونسي" في كوريا الجنوبية، أن العمل لأكثر من 52 ساعة أسبوعياً لا يمرّ دون أثر، بل يترك بصمته البيولوجية على دماغ الإنسان، بشكل قد يؤدي إلى تغيّرات مستمرة في المناطق المسؤولة عن الانتباه، الذاكرة، وتنظيم المشاعر.
تغيرات ملموسة في بنية الدماغ
اعتمدت الدراسة على فحوصات دقيقة بالرنين المغناطيسي لأكثر من 100 موظف من مختلف الأعمار والمجالات. المثير للقلق أن النتائج أظهرت زيادة في حجم منطقة "التلفيف الجبهي الأوسط" لدى من يعملون لساعات مفرطة.
ووفق الباحثين، فإن هذه الزيادة لا تُعد تطورًا إيجابيًا، بل تشير إلى إجهاد مزمن في الدماغ، ما قد يضعف الوظائف المعرفية تدريجيًا ويؤثر على القدرة على اتخاذ القرارات والسيطرة على الانفعالات، بل قد يمهد الطريق لاضطرابات نفسية خطيرة مثل القلق والاكتئاب.
نهاية أسطورة "الانشغال فضيلة"؟
تضع هذه النتائج ثقافة العمل الحديثة تحت المجهر، خاصة تلك التي تمجّد العمل المتواصل والانشغال الدائم بوصفهما رمزين للنجاح والالتزام. فبينما ترى بعض المؤسسات أن التفرغ الكامل والمبالغة في عدد الساعات دليلاً على الولاء والجدية، تكشف هذه الدراسة أن ذلك قد يكون استنزافاً خفياً للطاقة الذهنية والجسدية.
يقول الباحث الرئيسي في الدراسة:
"نحن بحاجة لإعادة تعريف العلاقة بين العمل والصحة العقلية، فالتوازن ليس رفاهية، بل ضرورة بيولوجية."
ماذا يعني ذلك للموظفين وأصحاب العمل؟
هذه النتائج تفتح الباب لمراجعة حقيقية لسياسات العمل، خصوصًا في الشركات التي تتوقع من موظفيها التوفر الدائم، حتى خارج ساعات الدوام. كما تؤكد على أهمية اعتماد ثقافة مؤسسية تحترم الحدود الشخصية، وتشجّع على فترات راحة حقيقية، بل وتقدّر جودة الإنتاج على حساب الكم.
الخلاصة: هل العمل يقتلنا ببطء؟
قد تبدو الإجابة مبالغًا فيها، لكنها ليست بعيدة عن الواقع. فالعمل لساعات مفرطة لا يؤثر فقط على الجسم، بل على الدماغ نفسه، الذي يُعد مركز القيادة لكل ما نقوم به. ومع استمرار هذا النمط، فإننا لا نخاطر فقط بإرهاق أنفسنا، بل بإعادة تشكيل أدمغتنا بطريقة قد يصعب علاجها لاحقاً.
ولعل السؤال الذي نحتاج جميعاً لطرحه على أنفسنا:
هل نعمل لنعيش؟ أم نُتلف أنفسنا ونحن نعمل؟