دراسة تكشف: "اتفاق التهدئة" بين أمريكا والحوثيين مجرد واجهة لصراع أعمق في البحر الأحمر
كشفت دراسة حديثة أصدرها مركز "مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة" (ACLED) عن هوة واسعة بين الخطاب الرسمي الأمريكي والحوثي حول اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في مايو الماضي، وبين الوقائع على الأرض، فبينما قدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق على أنه انتصار للدبلوماسية الأمريكية وإشارة لاستسلام الحوثيين، سارعت الجماعة إلى نفي هذه الرواية عبر تصريحات قادتها وتصرفاتها الميدانية التي أكدت استمرار العمليات العسكرية.
أبرزت الدراسة أن المواجهة في البحر الأحمر تتشكل عبر ثلاث جبهات متوازية: جبهة المواجهة مع إسرائيل التي شهدت 155 هجوماً صاروخياً حوثياً، وجبهة استهداف الملاحة البحرية التي سجلت 520 هجوماً على سفن تجارية، وجبهة التصعيد المباشر مع القوات الأمريكية التي ردت بـ774 غارة جوية. هذه التداخلات تشير إلى تعقيد المشهد وتناقضه مع الرواية المبسطة التي تروجها الأطراف الدولية.
على الرغم من الضربات الجوية الأمريكية المكثفة، أظهرت الدراسة أن القدرات العسكرية للحوثيين لم تتأثر بشكل جوهري، فما زالت الجماعة تمتلك وتستخدم طائرات مسيرة وأنظمة صاروخية متطورة، معتمدة على استراتيجية "الحرب النفسية" عبر بث الشعور بعدم الاستقرار في الممرات البحرية الدولية. هذا الواقع يطرح تساؤلات حول جدوى الاعتماد على الخيار العسكري كحل وحيد للأزمة.
البعد الخفي
تحت غطاء الخطاب الإعلامي حول "حرية الملاحة" من الجانب الأمريكي و"نصرة غزة" من الجانب الحوثي، تكشف الدراسة عن مصالح استراتيجية أعمق للطرفين، ففي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن للحفاظ على هيبتها كقوة عظمى قادرة على حماية الممرات البحرية، تستغل الجماعة الحوثية الأزمة لتعزيز نفوذها الإقليمي وموقعها التفاوضي في المسار السياسي اليمني.
يأتي نشر الدراسة في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في سياق دقيق، حيث تعبر الرياض عن قلقها من تحول "اتفاق التهدئة" إلى غطاء لإعادة ترتيب التوازنات العسكرية في المنطقة، كما تشير إلى تشكيك سعودي في جدوى المقاربة الأمريكية الحالية، مع دعوة ضمنية لاعتماد استراتيجية أكثر شمولاً تعالج جذور الأزمة بدلاً من التركيز على مظاهرها العسكرية فقط.
تخلص الدراسة إلى أن الأزمة الحالية في البحر الأحمر ليست مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل هي فصل جديد في صراع إقليمي أوسع سيطول أمده، فالتناقض بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني، وتعدد جبهات الصراع، واستمرار القدرات العسكرية للحوثيين رغم الضربات الأمريكية، كلها عوامل تشير إلى أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، حيث تتصارع القوى الإقليمية والدولية على رسم خريطة النفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم.