سر المسجد الذي يُصلي فيه ملايين الحجاج ليوم واحد فقط… ولن يُفتح مجدداً حتى العام القادم
في قلب مشعر عرفات بمكة المكرمة، يتفرّد مسجد نَمِرة التاريخي بخاصية لا يشترك فيها أي مسجد آخر داخل المملكة العربية السعودية، حيث يُفتح للمصلين ليومٍ واحد فقط في العام، وتحديدًا في يوم الوقوف بعرفة خلال موسم الحج. في هذا اليوم العظيم، يتوافد مئات الآلاف من الحجاج إلى المسجد لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، والاستماع إلى خطبة يوم عرفة التي تُلقى من على منبره، اقتداءً بسنة النبي محمد ﷺ.
يرتبط هذا المسجد ارتباطًا مباشرًا بزمان ومكان أداء الركن الأعظم من مناسك الحج، وهو الوقوف بعرفة، ما يجعل استخدامه مقتصرًا على هذا اليوم فقط. وخارج هذا الإطار الزماني والمكاني، يظل المسجد مغلقًا بقية أيام السنة لعدم الحاجة لاستخدامه. هذه الخصوصية جعلت منه أحد أبرز المعالم الدينية في مكة المكرمة، ويشهد حضورًا كثيفًا واهتمامًا بالغًا من الحجاج، الذين يحرصون على التواجد فيه في ذلك اليوم التاريخي.
يقع مسجد نَمِرة في الجهة الغربية من مشعر عرفات، ويمتد جزء منه إلى وادي عرنة، وهو وادٍ كان النبي ﷺ قد نهى عن الوقوف فيه يوم عرفة، قائلًا: "وقفت هاهنا، وعرفات كلها موقف، إلا بطن عرنة". ولهذا، يُنصح الحجاج بعد أداء الصلاتين بالخروج من الجزء الذي يقع داخل الوادي، لضمان تحقق الوقوف الشرعي داخل حدود عرفة.
اقرا أيضاً: قبل الحج 2025: دليلك لأفضل فنادق مكة والمدينة – إقامة مريحة وخدمات خمس نجوم
ويُعتبر هذا المسجد واحدًا من أقدم المساجد التاريخية، حيث بُني في منتصف القرن الثاني الهجري خلال العهد العباسي، في الموقع الذي خطب فيه النبي ﷺ في حجة الوداع. وقد عُرف المسجد بعدة أسماء، منها "مسجد عرنة" و"مسجد إبراهيم الخليل"، إلا أن الاسم الأكثر شهرة هو "مسجد نَمِرة"، نسبة إلى جبل نمرة القريب منه.
وقد شهد المسجد توسعات متكررة على مر العصور، كان أضخمها في العهد السعودي، حيث خضع لمشروع تطوير شامل بلغت تكلفته نحو 237 مليون ريال سعودي، ليصبح بمساحة تتجاوز 110 آلاف متر مربع، قادرة على استيعاب أكثر من 350 ألف مصلٍ. كما يتميز المسجد بوجود ست مآذن يبلغ ارتفاع كل منها 60 مترًا، بالإضافة إلى ثلاث قباب، وعشرة مداخل رئيسية تضم 64 بابًا، فضلًا عن غرفة بث خارجي تُستخدم لنقل خطبة وصلاة يوم عرفة مباشرة عبر الأقمار الصناعية إلى العالم الإسلامي.
بفضل هذه الخصائص الفريدة، لا يُعد مسجد نَمِرة مجرد مَعلم تاريخي أو ديني، بل رمزًا من رموز الحج وموقعًا مقدسًا تتجلى فيه أجواء الخشوع والتلاحم بين الحجيج. إنه المسجد الذي يُفتح ليوم واحد فقط... لكنه يترك أثرًا في قلوب ملايين المسلمين حول العالم.