الذهب يتخلى عن عرش الملاذ الآمن وسط تصاعد التوترات: هل حان وقت الرهان على الدولار؟
في ظل تصاعد حدة النزاع العسكري في الشرق الأوسط، بعد الضربة الأمريكية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية، شهدت أسواق المعادن النفيسة تقلبات ملحوظة، وعلى رأسها الذهب الذي خالف التوقعات التاريخية كمصدر للأمان، ليُظهر مؤشرات هبوط حادة منذ بداية الأسبوع الجاري.
ويبدو أن المستثمرين بدأوا يعيدون ترتيب أولوياتهم في ظل مشهد جيوسياسي متأزم، حيث فقد الذهب جاذبيته التقليدية كملاذ آمن لصالح الدولار الأمريكي والفرنك السويسري والين الياباني، وهي عملات أثبتت مرونتها في فترات الأزمات العالمية الكبرى.
الذهب يفقد بريقه أمام الدولار
مع تزايد المخاوف من تصعيد الصراع الإيراني الإسرائيلي إلى مواجهة إقليمية أو حتى عالمية، ارتفعت التدفقات نحو الدولار الأمريكي الذي استفاد من توقعات بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، في ظل احتمال استمرار التضخم العالمي المدعوم بارتفاع أسعار الطاقة.
هذه التحولات أدت إلى تراجع العقود الآجلة للذهب، التي سجلت يوم الاثنين انخفاضًا قويًا رغم التوترات المتزايدة، وهو ما يعكس تآكل ثقة السوق في الذهب كملاذ آمن فعال في الظروف الحالية.
تحليل فني: مؤشرات هبوط حادة في الأفق
تشير الرسوم البيانية الزمنية المختلفة إلى نمط هبوطي واضح في تحركات الذهب:
على الإطار الزمني لكل ساعة، كسر السعر المتوسط المتحرك البسيط 200 DMA عند 3399 دولار منذ 19 يونيو، مع استمرار تراجع الذهب إلى ما دون المتوسطات المتحركة 9 و20 و50 DMA.
المتوسط المتحرك 100 DMA اخترق 200 DMA نزولًا، ما يعزز التوقعات باستمرار الضغط البيعي.
الدعم المباشر المتوقع عند 3357 دولار قد يُختبر خلال جلسات التداول الحالية.
أما على الرسم البياني اليومي، فيواجه الذهب صعوبة في الثبات فوق 20 DMA عند 3372 دولار، وإذا حدث كسر لهذا المستوى، فقد يتجه السعر نحو اختبار الدعم التالي عند 50 DMA عند 3334 دولار.
وعلى الإطار الأسبوعي، تتشكل شمعة هبوطية واضحة داخل قناة سعرية منخفضة، تؤكد احتمالية كسر المتوسط 9 DMA عند 3342 دولار خلال الجلسات القادمة، مما قد يسرّع من وتيرة البيع.
الملاذات الآمنة: إعادة ترتيب المشهد
المثير في المشهد هو انتقال اهتمام المستثمرين من الذهب إلى عملات مثل الدولار والين والفرنك السويسري، ما يعكس تحولًا في عقلية الأسواق التي باتت ترى أن الأصول غير المدرة للعوائد لم تعد الخيار الأمثل في ظل ارتفاع تكاليف الفرص البديلة.
ويعزز هذا التحول موقف الدولار الذي تلقى دعمًا إضافيًا بعد تصريحات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي التي لم تشر إلى نية قريبة لخفض أسعار الفائدة، رغم تباطؤ بعض مؤشرات النمو الاقتصادي.
المخاوف الجيوسياسية: تهديد مستمر للأسواق
وسط هذه المستجدات، تبقى الأسواق تحت رحمة التطورات العسكرية، خصوصًا مع ازدياد احتمالية رد إيراني قد يشمل إغلاق مضيق هرمز أو شن هجمات مباشرة. مثل هذه التحركات قد تؤدي إلى تعطيل إمدادات الطاقة العالمية، ما يرفع أسعار النفط ويعيد إشعال الضغوط التضخمية.
وفي ظل هذا السيناريو، تبدو أي إشارات نحو وساطة دولية تقودها الأمم المتحدة ضرورية لكبح جماح التصعيد، إذ حذّر مراقبون من خطر تحول الصراع إلى مواجهة أوسع إذا ما دخلت أطراف كبرى مثل روسيا أو الصين على الخط.
الخلاصة: الذهب في موقف حرج
رغم أن الذهب لطالما كان الحصن الأول للمستثمرين في أوقات الأزمات، تشير المعطيات الحالية إلى تغير في قواعد اللعبة. فالمستويات الفنية والاقتصادية والجيوسياسية ترجّح استمرار الضغط على الذهب، مع احتمالية أن يستقطب "دببة السوق" صفقات بيع إضافية في الأيام المقبلة.
بينما يراقب العالم بقلق تطورات الصراع في الشرق الأوسط، تبقى الأسواق رهينة لتصريحات وتحركات العواصم الكبرى، فيما يواصل الدولار ورفاقه من عملات الملاذ الآمن خطف الأضواء.