السقطة التي صنعت مجدها: كيف حوّلت نعومي كامبل تعثرها على منصة العرض إلى لحظة خالدة في تاريخ الموضة؟
في عالم الموضة، حيث تُبنى الأساطير على الإتقان والكمال، جاءت لحظة السقوط المفاجئة لعارضة الأزياء العالمية نعومي كامبل على منصة عرض فيفيان ويستوود عام 1993 لتكسر هذه القاعدة، وتُثبت أن الخطأ أحيانًا قد يصنع المجد.
في عرض "أنغلوومانيا" الذي أقيم في باريس، سقطت كامبل، وكانت حينها في الثالثة والعشرين من عمرها، خلال سيرها على المنصة وهي ترتدي حذاءً بكعب شاهق من تصميم فيفيان ويستوود، بلغ ارتفاعه 21 سنتيمترًا، ما جعلها تتعثر بشكل درامي أمام عدسات العالم. وبدلاً من أن يطيح بها هذا المشهد، تحوّل إلى واحد من أكثر اللحظات شهرة وتأثيرًا في تاريخ عروض الأزياء.
من تعثر إلى طلبات عروض إضافية
المفارقة أن هذا السقوط، بدلاً من أن يُنقص من قيمة كامبل، فتح أمامها آفاقًا جديدة. حيث توالت عليها الدعوات من مصممين طالبوها بإعادة المشهد في عروضهم، إدراكًا منهم لأهمية اللحظة التي تجاوزت حدود الخطأ الفردي، لتصبح أيقونية. لقد أثبتت كامبل أن الثقة بالنفس والنهوض مجددًا قد يكونان أعظم من النجاح نفسه.
السر وراء السقطة
في فيديو توثيقي نشرته مجلة "فوغ" البريطانية عام 2024، أوضحت كامبل أن السبب الحقيقي وراء سقوطها لم يكن فقط الحذاء المرتفع، بل الجوارب المطاطية البيضاء التي منعتها من الإحساس بأصابع قدميها. ومن الطريف أن المصممة فيفيان ويستوود نفسها اعترفت خلال مقابلة مع كامبل أن تلك الجوارب تسببت بتلاصق فخذيها، ما أدى إلى اختلال توازنها.
ومع ذلك، وصفت ويستوود السقطة بأنها "جميلة" وشبهتها بسقوط ظبي رشيق، بينما أبدت كامبل حرجها من الموقف، خاصة أنه لم يكن "الوقت المناسب للسقوط" بالنسبة لها في ذلك اليوم، لكنها تعاملت معه بابتسامة وثقة نادرتين.
من العرض إلى المتحف
لم تمضِ أيام على الحادثة حتى تواصل متحف فيكتوريا وألبرت في لندن مع دار ويستوود للحصول على الحذاء، الذي أصبح لاحقًا جزءًا من معروضاته الدائمة. وبحسب إليزابيث موراي، أمينة المعارض في المتحف، فإن هذه اللحظة مثلت حدثًا تاريخيًا في الموضة، إلى درجة أن الملكة إليزابيث الثانية عندما رأت الحذاء في زيارة لاحقة قالت إنها "لم تتفاجأ بسقوط كامبل منه"، بينما شبّهه الأمير فيليب بعكازين مرتفعين!
الموضة تتجاوز الحذاء
رغم أن الحذاء الشاهق كان نجم العرض، فإن باقي تفاصيل إطلالة كامبل اكتسبت شهرة أيضًا. فقد كانت ترتدي وشاحًا من الريش الوردي، وتنورة اسكتلندية مصممة بنمط "Westwood Gordon Pink"، وهو تارتان نسج خصيصًا لويستوود، وتم اعتماده لاحقًا في السجل الرسمي للتارتان باسكتلندا. وقد ارتبط هذا النمط مباشرة بسقوط كامبل، ما أكسبه رمزية خاصة في عالم الموضة.
السقوط الذي باع الإعلانات
في مقابلات لاحقة، منها حوارها مع الإعلامي ديفيد ليترمان، كشفت كامبل أن هذه اللحظة ساعدتها في الحصول على إعلانات تجارية ضخمة. وقد أصبح سقوطها رمزًا للمرونة والقدرة على النهوض، لدرجة أن متحف فيكتوريا وألبرت طرح مغناطيسات تذكارية توثق اللحظة (نفدت جميعها)، بينما ظهرت كامبل مجددًا مرتدية الحذاء ذاته في برنامج جوناثان روس عام 2013.
الرسالة الأهم
من خلال هذه التجربة، وجهت نعومي كامبل رسالة قوية مفادها أن الخطأ لا يحد من النجاح، بل قد يكون بوابة إلى عظمة لا تُنسى. وكما قالت في تعليقها الشهير خلال أحد المعارض: "تلك السقطة جزء مني، لذا أتحمّلها بكل فخر. لا بأس، فالناس ترتكب أخطاء، والأهم هو النهوض والمحاولة من جديد."
وبذلك، تبقى هذه اللحظة المدوية شهادة حية على أن الثقة بالنفس والشجاعة في مواجهة المواقف الحرجة يمكن أن تحوّل العثرة إلى قصة نجاح أبدية.