"العودة إلى الوطن": دراما إنسانية تكسر صمت الطبقات المهمشة في ريف الهند
في أولى إطلالاته العالمية، أبهر المخرج الهندي نيراج غايوان جمهور مهرجان كان السينمائي عام 2010 بفيلمه اللافت "ماسان"، الذي روى قصة حب وخسارة وسط القيود الاجتماعية والطبقية الصارمة في مدينة فاراناسي، المدينة المقدسة في الهند. الفيلم، الذي قام ببطولته النجم الصاعد حينها فيكي كوشال، عرض ضمن قسم "نظرة ما"، ونال استحسان النقاد العالميين بحصده جائزتي "الاتحاد الدولي لنقاد السينما" و"أفينير" لأفضل مستقبل واعد.
غايوان، المنتمي إلى طبقة "الداليت" التي تعاني تهميشاً شديداً في المجتمع الهندوسي، لم يتوقف منذ ذلك الحين عن السعي لتسليط الضوء على قصص المجتمعات المنسية. خلال جائحة كوفيد-19، التقط غايوان خيط فكرة جديدة من مقال رأي نُشر في "نيويورك تايمز" تحت عنوان "Taking Amrit Home" للصحفي بشارات بير، فبدأ نسج قصة إنسانية جديدة تحاكي قسوة الواقع وعزلة المهمشين.
يقول غايوان: "أنا الداليت الوحيد الذي يعمل خلف وأمام الكاميرا في تاريخ السينما الهندية. إنها فجوة واضحة وصادمة نعيش داخلها". وأضاف أن الأفلام الهندية قلّما تعكس واقع الريف الذي يضم غالبية السكان، ناهيك عن الغياب شبه التام لتمثيل الطبقات الدنيا في الأعمال السينمائية.
وهكذا وُلد فيلمه الجديد "العودة إلى الوطن"، الذي ينطلق من لحظة إنسانية خلال الجائحة، ويروي رحلة شابين من طبقتين اجتماعيتين مهمشتين، أحدهما مسلم والآخر من الداليت. استلهم غايوان عناصر القصة من صداقة طفولته مع شاب مسلم في حيدر أباد، مما أضفى طابعاً شخصياً وعاطفياً قوياً على الحبكة.
جانفي كابور تشارك في الفيلم بدور مؤثر، إذ تجسد امرأة داليت تقع في حب أحد الشابين، في قصة تتنقل بين الألم والأمل، وتكشف عمق العلاقات الإنسانية في مواجهة الكوارث التي لا تفرّق بين طائفة أو طبقة.
يمتاز الفيلم بتصويره السينمائي البديع لمناطق شمال الهند الريفية، حيث تبرز بساطة الحياة ومشاعر الناس غير المرئية في معظم الإنتاجات السينمائية. تتخلله لحظات درامية هادئة لكنها مؤثرة، وتسير حبكته في خط متصاعد يُبقي المشاهد في ترقّب دائم لمصير الشخصيات.
"العودة إلى الوطن" ليس مجرد فيلم؛ إنه شهادة سينمائية جريئة ومؤثرة عن التفاوت الاجتماعي، تتشابك فيها الواقعية القاسية مع الخيال الإنساني، وتدعو المشاهدين إلى إعادة النظر في المفاهيم السائدة عن الطبقة والانتماء.
بهذا العمل، يثبت نيراج غايوان مرة أخرى مكانته كمخرج يحمل رسالة، ويملك القدرة على تحويل الهامش إلى مركز، والظل إلى نور على الشاشة الكبيرة.